الشهيدان سامر قشيط وأيمن صبوح

 

 

بقلم: طارق أمهان

في وداع الشهيدين سامر وأيمن

كانت أياماً لا تنسى تلك التي عشناها مع الشهيدين سامر قشيط و أيمن صبوح مليئة بالعمل والجد مع المرح والمحبة والنكتة منذ اليوم الأول لتشكيل رابطة الشباب المثقفين، ثم انضمام أيمن صبوح إلينا فيما بعد، وكان يوم فراق كل منهما أيضاً يوماً لا ينسى مليئاً بالحزن والحسرة رغم معرفتنا بالعاقبة الحسنة والشهادة التي ختمت بها حياتهما. فالواقع الذي حصل، وصار قائماً هو أننا فقدناهما ولن نراهما في الدنيا بعد اليوم، وهذا الفقد والفراق كاف ليشعرك بحزن شديد لا يخرجه من قلبك إلا أملك ورجاؤك الشديد باللقاء بهما في النعيم برفقة النبي محمد صلى الله عليه وسلم.
نعم حزِنا وبكينا أيضاً وعلى فراق أمثالهم لا يعيبنا البكاء.
فقد فقدنا أخاً شاعراً ثائراً وممرضاً خبيراً إنه الشاب سامر قشيط.
وفقدنا مهندساً خلوقاً متفانياً في خدمة مدينته وأهلها إنه الشاب أيمن صبوح.
وإذا كنت لم أعرف سامر قبل الثورة، فإن أيمن صديق الدراسة في المرحلة الإعدادية لذلك سأبدأ بالحديث عنه، ثم أنتقل للحديث عن سامر بإذن الله.

الشهيد أيمن صبوح

الشهيد أيمن صبوح

عرفت أيمن منذ دخلت الصف السابع في مدرسة أبي العلاء، وظلت المناسبات والنشاطات المدرسية تجمعنا مما جعلني أعرف الكثير عنه. صحيح أنه لم يكن من الطلاب المتفوقين في تلك الفترة لكن أخلاقه الحسنة التي عرفها الناس اليوم خلال معاملته لم تكن جديدة عليه إنما هي طبيعته وفطرته التي عايشناها منذ ذلك الوقت، وعندما انتهت المرحلة الإعدادية، وخضعنا لامتحان الشهادة انتقلت للثانوية العامة بينما دخل هو الثانوية المهنية الصناعية.
وفي حين ظننا أن من دخل الثانوية الصناعية قد ضاع مستقبله، وتوقفت حياته وإنجازاته عند ذلك الحد بدأ أيمن صبوح مرحلة جديدة في حياته امتلأت بالجد والعمل والدراسة حتى تخرج من الثانوية وهو أحد العشرة الأوائل في محافظة إدلب مما أهله للتسجيل المباشر في كلية الهندسة الكهربائية، ولم تختلف مسيرته في الجامعة عن الثانوية فتجاوز سنواتها الخمس بدون تأخر إلا القليل، ودخل في ميدان العمل، وبدأت مهارته وخبرته بالتنامي والتمكن.

وفي الثورة قدم ما استطاع من خدمة لأهل مدينته ضمن اختصاصه "الهندسة الكهربائية"،
وعندما تعين في المجلس المحلي كرئيس لمكتب الخدمات عرف الجميع جده ونشاطه، ولم يكن كذلك خلال عمله في المجلس فحسب، بل في كل نشاط يشارك فيه مع رابطة الشباب المثقفين أو شباب التغيير وغيرهما من المؤسسات المساهم فيها.

ومن خلال مشاركته معنا في مجلة فكرة عدة مرات بإرسال مقالاته إليّ وجدته حريصاً جداً على مواصلة تنمية شخصيته ومهاراته في العديد من المجالات حتى لو كانت بعيدة عن اختصاصه. فكان يسألني عن جودة مقالاته، وهل عرضها بأسلوب مناسب جيد كما يطلب مني إرشادات للمقالات القادمة، وعندما يقدم لنا محاضرة أو شرحاً سريعاً لقضية علمية أو حادثة مناخية يسألني وبعض الشباب الآخرين بعد أن ينتهي عن أسلوبه في الإلقاء، وهل لدينا ملاحظات عليه ليتلافاها، ويتجاوزها في مرات قادمة.
هذا أيمن، وهكذا كان يمرن نفسه على كل مهارة يرى أنه سينفع بها أهل مدينته، ولا يألو في ذلك جهداً
رحمك الله يا أيمن، وتقبلك شهيداً جميلاً بجوار حبيبه محمد صلى الله عليه وسلم.

الشهيد سامر قشيط

سامر قشيط الشاعر والممرض والمرابط

أما سامر قشيط الشاعر الثائر والممرض المرابط الذي عاش الثورة بكل مراحلها، وقدم جهده الكبير في خدمتها من مشاركة في المظاهرات وعمل في الإسعاف ورباط في المشافي الميدانية. حتى إنه لم يخرج من المدينة (معرة النعمان) إلا نادراً خلال الفترة التي كانت تدور فيها المعارك على أطراف المدينة، فطالما قضى وقته معتكفاً في المشفى الميداني معالجاً ومسعفاً، ولم تكن معرفتي به في تلك الفترة عميقة إلا أن اندفاعه الثوري كان واضحاً جداً هذا الاندفاع الذي جعلني أحب كل من يمتلكه وكان منهم سامر قشيط .

فيما بعد وإثر تشكيل رابطة الشباب المثقفين وكونه من المؤسسين لها معنا كثر اجتماعنا معاً ولقاءاتي به، تعرفت خلالها على جوانب أخرى من شخصيته عززت حبي له، وضاعفته. فقد كان شاعراً حساساً يملأ شعره بعواطفه وانفعالاته الصادقة، وينقلها إلى المتلقي بكل عفوية وانسيابية حتى يغرسها فيه غرساً. فكان هذا الأمر بالإضافة لاهتماماته الأدبية الأخرى يعزز العلاقة بيننا. ولما تولى مهمة رئيس المكتب الثقافي في الرابطة جعله ينبض بالحياة مليئاً بالنشاطات من مسابقة ثقافية عامة إلى مسابقة شعرية على مستوى المعرة إلى إعداد برنامج من حلقات متنوعة وأفلام وثائقية تركز على التنمية البشرية والمعلومات الثقافية، وعرضها في اجتماعات الرابطة.
كما أنه كان يعبر عن أحاسيس الناس ومشاعرهم بشعره في عدد من أحداث الثورة. وأذكر هنا أبياته التي قالها تعليقاً على المجزرة التي تعرض لها أهلنا في حاس، وكان أكثر شهدائها من الأطفال والتلاميذ قال:
سبابة شهدت للواحد الأحد... بأنه مفرد فرد ولم يلدِ
وساعد مخضب قصت نعومته... شظية العهر من دب ومن أسدِ
مازال لون الطباشير الذي رسمت... به وروداً على الأظفار لم يبدِ
وأمسك الساعد المبتور محفظة... فيها الضياء يغطي ظلمة البلدِ
يا رب ضاقت بنا الدنيا بما رحبت... وحار دمع وغص القلب من كمدِ

وقد استشهد سامر قشيط رحمه الله في المجزرة التي تعرض لها سوق الخضرة بمعرة النعمان
وشعرت يومها بحزن شديد مع تسليمي بقضاء الله، فلطالما كانت أبياته تحفر في قلبي، وتشحذ همتي.

وأردت أن أرثيه ببعض الأبيات إلا أن الحزن أغلق قريحتي فقلت:

ما مات لا لكن إلى الجنات ... عادت تُزفّ الروح بالحسناتِ

رحمك الله يا سامر، وتقبلك شهيداً في جناته.

وأسأل الله أن يجمعنا بكما يا أيمن صبوح ويا سامر قشيط في خير منزلة في جنات النعيم إنه على كل شيء قدير.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

ما وراء الإستراتيجية التركية في إدلب

لقاح أسترازينيكا ضد فيروس كورونا ( كوفيد19) قد يخسر عقود بيعه بسبب وفاة ممرضة