الأخلاق
بسم الله الرحمن الرحيم
فإنما الأمم الأخلاق ما بقيت فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا
حض تراثنا العربي والإسلامي على امتداد زمانه على حسن الخلق ومكارم الأخلاق ولا يزال صدى قول عنترة:
وأغض طرفي إن بدت لي جارتي حتى يواري جارتي مأواها
يتردد في أيامنا هذه معززا أخلاق العربي الطيبة ومبرهنا على عمق جذورها وهو شاعر جاهلي وهو ما جعله الإسلام أصلاً من أصول الدين وأكد عليه النبي صلى الله عليه وسلم في كثير من الأحاديث إذ قال: "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق" وقال: "إن المرء ليدرك بحسن خلقه أعلى منازل الجنة" وقال: "أقربكم مني مجالس يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا" وغيرها الكثير.
فظل المسلمون الأوائل ومن جاء بعدهم يتواصون بحسن الخلق ويتعاهدونه حتى صار صرحا عظيما وبناء متينا لا تهزه الزلازل ولا تحركه العواصف ولم يكتف الإسلام بالحث على حسن الخلق بشكل مجمل.
وإنما خص بالذكر أخلاقا محددة لها أثرها العظيم على المجتمع الإنساني وجاء ذكرها بنص القرآن الكريم فمن ذلك: (وَعِبَادُ الرَّحْمَٰنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا )
ومنه: (وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا)
ومنه: (وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ)
ومنه: (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَىٰ وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ)
ومنه: (وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا)
ومنه: ( لَّا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَن ظُلِمَ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا)
ومنه: (فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَن يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ)
وفي الحديث الشريف قال صلى الله عليه وسلم: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه" وقال: "لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ" وقال: " ليس منا مَن لم يرحم صغيرَنا، ويعرف حقَّ كبيرنا" وقال: "من ستر مؤمناً في الدنيا ستره يوم القيامة".
ولا يخفى على كل عاقل الفضل الكبير لمثل هذه
الأخلاق في سعادة المجتمعات الإنسانية واستقرارها ودوام أمنها وسرعة نموها وتقدمها.
وفي الوقت نفسه نهى الإسلام عن أخلاق ذميمة عديدة فيها ضرر كبير على المجتمعات الإنسانية وقد جاء التحذير من مثل هذه الأخلاق في القرآن والسنة النبوية فمن ذلك قوله تعالى: إن الله يأمر بالعدل
ومنه قوله: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ)
ومنه قوله: (وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا )
ومنه: (وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ)
ومنه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)
ومنه: (فأما اليتيم فلا تقهر وأما السائل فلا تنهر)
أما الحديث النبوي الشريف فنصوصه في النهي عن الأخلاق الذميمة أكثر عددا وأكبر تفصيلا فهو الحكمة في النهي عن الأخلاق الذميمة أكثر عددا وأكبر تفصيلا فهو الحكمة التي أنزلها الله على نبيه مفسرة وموضحة للقرآن فمن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: "لاَ تَبَاغَضُوا ، وَلاَ تَحَاسَدُوا ، وَلاَ تَدَابَرُوا ، وَكُونُوا عِبَادَ اللهِ إِخْوَانًا ، وَلاَ يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلاَثِ لَيَالٍ".
ومنه: "الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يَخْذُلُهُ وَلَا يَحْقِرُهُ التَّقْوَى هَاهُنَا" وَيُشِيرُ إِلَى صَدْرِهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، "بِحَسْبِ امْرِئٍ مِن الشَّرِّ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ دَمُهُ وَمَالُهُ وَعِرْضُهُ"
ومنه: "المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده" ومنه" "دع ما يريبك إلى ما لا يريبك".
وإذا استعرضنا أحوال الناس اليوم من حيث الأخلاق فسنجد تدنيا ملحوظا في أخلاق الشباب واليافعين ولعل النزول إلى الأسواق والطرقات ومشاهدة تصرفاتهم والاستماع إلى ألفاظهم خلال الشجارات بسبب لعبة كرة قدم أو أي لعبة أخرى يشكل دليلاً واضحاً أمامنا.
ربما ينكر البعض هذا الأمر ويزعم أن أخلاق المجتمع في وضع جيد وليس فيها نشوز أو سوء وإذا سلمنا لهؤلاء بهذا القول فإن العمل على تحسين هذه الأخلاق وجعلها في مستوى أعلى ودرجة أرفع لا يمانعه أحد.
إذن في جميع الحالات نحتاج العمل على تعزيز الأخلاق والسعي لتحسينها فإن كانت سيئة قضينا عليها واستبدلناها بأخلاق حسنة حميدة وإن كانت حسنة زدنا من حسنها وفضلها.
فما الوسائل والطرق التي علينا اتباعها واستخدامها من أجل تحقيق ذلك ؟
أولاً : الاهتمام المبكر
إن المطلع على الدراسات التربوية والاجتماعية سيجد إجماعا من قبل المختصين في مجال التربية أن الاهتمام بتربية الفرد وأخلاقه لا بدّ أن تبدأ مبكراً ومبكرا جدا.
فبعض المختصين يطلب من الوالدين إعداد أنفسهم للتربية الجيدة لطفلهم منذ علمهم بالحمل والبعض الآخر يرى أن صلاح الأبناء يبدأ باختيار الزوجة الصالحة المناسبة.
ويجمع المختصون انه كلما تأخر الاهتمام بتربية الطفل صار تعديل سلوكه أصعب فأول ما ينبغي علينا هو الاهتمام بالجيل الجديد الذي لم يبلغ خمس سنوات بغية الوصول إلى مستوى مرض من حيث أخلاقه وسلوكه.
ولعل هذا يبدأ بتدريب الآباء والأمهات وتأهيلهم على التربية الصحيحة والسليمة وهذه المهمة منوطة بالمسجد والمؤسسات التربوية والاجتماعية في كل مدينة وقرية.
ثانياً : مرحلة الطفولة من سن الخامسة حتى الثانية عشرة
إن أفضل طريقة لتحسين الأخلاق في هذه المرحلة هي تسجيل الأطفال ذكورا وإناثا في حلقات تعليم القرآن في المساجد ويجب السعي لتسجيل كل طفل فيها سواء أكان متفوقا أو متوسط الذكاء أو ضعيفه وذلك لأن المسجد لا يعلم ويحفظ القرآن فقط إنما يكسب الأطفال الأخلاق الحميدة فإن كان الطفل ضعيف الحفظ ولا يقوم بحفظ ما يكلفه به معلم الحلقة فإن هذا الأمر لا ينبغي أن يكون سبباً في إبعاده عن المسجد وحلقات التعليم.
كما ينبغي على المعلم في الحلقة مراعاة هذا الأمر والحرص على استمرار دوامه فلا ينفره من الحلقة والمسجد بالتوبيخ والعقوبة الشديدة إنما يكلفه بما يتناسب مع قدرته على الحفظ والاستيعاب ويحافظ على استمرار حضوره إلى المسجد وتحسين أخلاقه فإن هذا الطفل إن لم يكن بالإمكان أن يصبح حافظاً للقرآن الكريم أو قسم كبير منه فليس أقل من جعله من أصحاب الخلق الحسن النافع وغير الضار لمجتمعه.
فنشوء الطفل بعيداً عن المسجد يجعل من المحتمل جداً أن يصبح خلقه سيئاً وتصرفاته فيها ضرر لمن حوله فنكون بذلك خسرنا مرتين فرقنا بين الطفل والمسجد وأصاب المجتمع أذى منه.
ثالثاً : اليافعين والشباب
إن العمل على تحسين أخلاق اليافعين والشباب ينطلق من إعادة ربطهم بالمسجد من خلال صلوات الجماعة وتقديم بعض المعاني الدعوية الإسلامية التي تركز على الأخلاق هذا أولاً وثانياً إقامة نشاطات خاصة تناسب عمرهم واهتماماتهم وتقديمها بأساليب مشوقة مثل المسابقات والألعاب.
وإشراكهم في هذه البرامج وذلك بجعلهم يعدون ويقدمون بعضاً من فقرات تلك النشاطات والبرامج مما يجعلهم يشعرون بأنهم قدوة في الأخلاق وعليهم أن يكونوا على مستوى عال دائما في هذا الجانب.
رابعاً : الكبار
إن عملية تحسين أخلاق الكبار تعتمد أساساً على أعراف المجتمع ولا يعني هذا أنها أهم من شرائع الإسلام وأحكامه، ولكننا لا يمكن أن نغفل أن بعضهم من الذين لا يلتزمون بتعليمات هذه الشرائع والسبيل إلى نفوس هؤلاء هو العرف لأنه مشترك بين جميع أفراد المجتمع لذلك يجب على المصلحين في المجتمع تعزيز الأعراف التي تنبع من الشرع الإسلامي وكذلك الأعراف التي تلتقي معه في الهدف حتى يصبح العمل بها والتزامها واجبا في نفوس جميع الأفراد ثم يتم ربط هذه الأعراف بتعاليم الإسلام للوصول إلى أفضل نتيجة في تعزيز الأخلاق الحسنة.
ختاما
إن الشيء الذي يعلمه جميع الناس ولا يجهله إلاّ غافل غارق في غفلته هو أن الأخلاق ركن أساسي في بناء الحضارة يتعاضد مع العلم والعمل لإقامة صرح الحضارة في أي أمة وعندما يفقد هذا الركن تكون الأمة في طريقها للانهيار
لذلك يجب الاهتمام به غاية الاهتمام وجعله في رأس الأولويات والعمل بكل جد لتحقيق أفضل ما نستطيع فيه.
والحمد لله رب العالمين.
#طارق_أمهان
تعليقات
إرسال تعليق