طلاء الثورة
طلاء الثورة
الكاتب: طارق أمهان
لقد ضمت الثورة السورية بين صفوفها أصنافا عديدة من الناس اختلفت طبائعهم، واختلفت بيئاتهم ، واختلفت تربيتهم، فاختلفت ثقافتهم وأفكارهم إلا أنهم اشتركوا في هدفهم في إسقاط النظام والطغاة المتسلطين على أبناء دينهم وإخوانهم، فمنهم من تعرض لظلم هذا النظام سابقاً، ومنهم من أفقده النظام عزيزاً، ومنهم من رأى غيره يتعرض للإهانة والذل من قبل أزلام النظام، ومنهم من اطلع على تركيبته وعرف نهجه الباطني في محاربة الإسلام والنيل من المسلمين الصادقين. فقام هؤلاء ثائرين عليه، كلهم يريد إسقاطه والقصاص منه جزاء ما فعل بهم وبغيرهم من قبل،
لكن أصنافاً أخرى من الناس كانوا يسيرون بين هؤلاء في مظاهراتهم، ويسايرونهم في مطالبهم، ويرددون شعاراتهم، وهم ينتظرون الفرصة ليحققوا مآربهم الخبيثة في البلد، وقد بدت هذه الأصناف أكثر وضوحاً بعد مضي خمس سنوات على بداية الثورة ولعل أبرزهم القوميون الكرد ومنهم أذناب الغرب الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا ومنهم عملاء النظام نفسه الذين يريدون إرجاعه بصورة وشكل آخر فهذه ثلاثة الأصناف ما ركبت سفينة الثورة إلا لتحقيق مآرب خاصة بها أو جنّدها عدو من أعداء الثورة من أجل ذلك.
فهؤلاء أكثر خطورة على الثورة من عدوها المباشر(نظام بشار) لأنهم يلبسون لباسها ويتقنعون بها وإنك تتفاجأ عندما تعلم أن من هؤلاء من كان من أوائل السائرين فيها والحاضّين على التظاهر والثورة وعندما يُكشف أمره وتنتهي مهمته يلتحق بسيده كما حصل مع كثير من عملاء النظام الذين خدعوا الناس في البداية وإذا كنا اليوم نعلم بوضوح غرض الأكراد ونعلم بوضوح ارتباط هيئة التنسيق بالنظام ونعلم بوضوح عمالة قوات سوريا الديمقراطية فإن صنفاًآخر مازال خافياً على كثير منا ومازال يختال ويطوف بيننا يبث شائعة هنا ويكذب كذبة هناك ويلعب على الناس باستخدام تعابير حقة ويوظفها في خدمة باطله.
فهؤلاء لم يخرجوا لأن النظام تعرض لهم أو اعتدى عليهم في يوم من الأيام ولم يخرجوا نصرة لمظلومين نالوا من النظام أشد التعذيب وذاقوا أقسى الأيام، بل خرجوا يبتغون حكما آخر أكثر عداء للفضيلة والعفة والحياء لأن النظام رغم كفره وطغيانه كان يخادع الناس بأنه مشجع للأخلاق الحميدة وداع لها وكانت هذه الدعوى منه بين الحين والآخر تقتضي تصرفاً يؤيدها أو تشريع قانون يحض عليها كي يصدقه غوغاء الناس.
بينما يربي الأجيال على الفاحشة جهراً وخفية في المؤسسات والمدارس والجيش والجامعات التي جعل التحكم في كل تفاصيلها لحزبه البعث.
فهذا كله ما كان يرضي هؤلاء لأنهم يريدون حرية تبيح لهم الفاحشة متى شاؤوا، وسب الدين متى شاؤوا، والانتقاص من شعائره والهزء بها كيفما أحبوا دون أن يتعرض لهم أحد بمساءلة أو عقاب، يسخرون من شعائر الدين وينتقصون من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم بدعوى النقد والموضوعية والبحث العلمي وغير ذلك من الدعاوى المبطنة يريدون أن يفسدوا على الناس دينهم.
فهم من أجل ذلك يتملقون كل دولة، ويعاملون كل مخابرات، ويسلكون من أجل ذلك كل سبيل فإذا رضيت عليهم دول الغرب أمدتهم بكل وسيلة لتحقيق ذلك.
فهؤلاء هم الذين يبحث عنهم الغرب ليكونوا حزباً لهم في أرضنا ينضم إليهم غيرهم من الناس حتى يشكلوا رأيا مؤثراً في مجتمعهم وهذا ليس بالجديد فقد أوصى نابليون بعد حملته على مصر خليفته كليبر في رسالته إليه بقوله (ترجمة حافظ عوض) : " ستظهر السفن الحربية الفرنسية بلا ريب في هذا الشتاء أمام الإسكندرية أو البرلس أو دمياط . يجب أن تبني برجا في البرلس . اجتهد في جمع خمسمئة أو ستمئة شخصٍ من المماليك حتى متى لاحت السفن تقبض عليهم في القاهرة أو الأرياف، وتسفّرهم إلى فرنسا، وإذا لم تجد عدداً كافياً من المماليك فاستعض عنهم برهائن من العرب ومشايخ البلدان، فإذا ما وصل هؤلاء إلى فرنسا يُحجزون مدة سنة أو سنتين يشاهدون في أثنائها عظمة الأمة الفرنسية، ويعتادون على تقاليدنا ولغتنا، ولما يعودون إلى مصر يكون لنا منهم حزب يضم إليه غيرهم. كنت قد طلبت مراراً جوقة تمثيلية، وسأهتم اهتماماً خاصاً بإرسالها لك لأنها ضرورية للجيش وللبدء في تغيير تقاليد البلاد."
وخلاصة القول إنّ هؤلاء وأمثالهم قد دهنوا أنفسهم بطلاء الثورة ليخفوا مآربهم الدنيئة ويخدعوا الناس بمظهرهم الجديد إلا أنهم غفلوا أن هذا الطلاء لا تتجاوز سماكته المليمترات وسرعان ما يزول وتتطهر الثورة منهم وتظل صافية نقية تبتغي مرضاة ربها زاهية بأخلاقها الفاضلة.

تعليقات
إرسال تعليق